السلام كضرورة

2020-07-20
السلام كضرورة وألية التطبيق
مقال مقدم من قبل المشترك: مسعود محمد علي
طالب في كلية العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة بيان _ اربيل
الى: القسم الثقافي في منظمة هيتما لصالح برلمان سفراء السلام
تم تقديم هذا المقال كجزء من متطلبات المشاركة في المسابقة المطروحة من قبل مجموعة برلمان سفراء السلام
2020
مقدمة
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: " وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "، فالسلام هو الأصل في العلاقات بين الأشخاص والمجتمعات الإنسانية والدول، وهو تشريعٌ إلهيٌ يحاكي الفطرة السليمة للإنسان، لأن الأصل في الحياة هو السلام، والبحث عن أسباب الأمن والاستقرار والرخاء، والبعد عن كل ما يؤدي للخراب والحروب والدمار، وتدمير القوى، وتبديد الخيرات.
السلام هو أمان الفرد على النفس والمال، وهو معنى عظيم لا تتحقق طمأنينة الفرد والمجتمع واستقرارهما إلا به، فلا يستطيع الفرد أن يمارس أمور حياته الضرورية من دراسة وعمل وعلاقات اجتماعية دون شعور بالأمان، كما أنّ السلام درب الفرد إلى الإبداع وتحقيق التقدّم العلمي والعمراني، مما يجعله أمراً ضرورياً لنماء المجتمعات وتطورها وازدهارها، بالإضافة إلى أنّ ما تنفقه الدول في حالات الحرب من أموال تنفقها في تسلحها العسكري، أو في ترميم ما نتج عن حروبها من دمار وأضرار تستطيع أن تسخّره في تطوّرها في كافات المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية في حالة السلام، فإن اهتمت كل دولة في السير نحو السلام حُلّت الأزمات العالمية الكبرى التي تعدّ سبباً لهلاك الموارد والأفراد، وتبديد الطاقات البشرية. علينا كأفراد أن نحرص على تحقيق السلام ونشره لما له من أهمية على صعيد الأفراد والمجتمعات، حيث يكون ذلك باحترام اختلافاتنا المتعددة، وبالتسامح فيما بيننا، وبعدم التطرف والتعصب لقضية أو مذهب، وعدم اللجوء إلى العنف في حل مشكلاتنا وتجاوزها، فكلنا بنو آدم ويجب ألّا يفسد لنا اختلاف الديانة أو الرأي أو العرق وداً، ولا يُحدث نزاعاً قد يشوّه إنسانيتنا
السلام في ميثاق الامم المتحدة
كان الدافع الرئيسي لإنشاء الأمم المتحدة هو إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، حيث شهد مؤسسي المنظمة الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى والثانية. ومنذ إنشاء الأمم المتحدة، كثيرا ما طلب منها القيام بمهمة منع تصعيد الخلافات ووقف الحروب، أو المساعدة في استعادة السلام عندما ينشب الصراع المسلح، وتعزيز السلام الدائم في المجتمعات التي انتهت من الحرب.
مجلس الأمن
على مر العقود، ساعدت الامم المتحدة في إنهاء العديد من الصراعات، في كثير من الأحيان من خلال الإجراءات التي يتخذها مجلس الأمن – وهو الجهاز الذي تقع على عاتقه المسؤولية الرئيسية، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وهي الحفاظ على صون السلم والأمن الدوليين. وعندما يتم تقديم اليه شكوى تتعلق بخطر يتهدد السلام، يقوم المجلس عادة بتقديم توصيات إلى الأطراف في محاولة للتوصل إلى اتفاق بالوسائل السلمية. وفي بعض الحالات، يضطلع المجلس نفسه بالتحقيق والوساطة. وقد يعين ممثلين خاصين أو يطلب إلى الأمين العام أن يفعل ذلك أو يبذل مساعيه الحميدة. ويجوز له أن يضع المبادئ لحل الخلافات عن طريق التسوية السلمية.
وعندما يفضي نزاع ما إلى القتال، يصبح التوصل إلى وضع نهاية للصراع في أقرب وقت ممكن المهمة الرئيسية الأولى للمجلس. وفي مناسبات عديدة، أصدر المجلس تعليمات لوقف إطلاق النار لعبت دورا أساسيا في منع انتشارالأعمال العدائية على نطاق أوسع. وقام المجلس أيضا بنشرعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة للمساعدة في تخفيف حدة التوتر في المناطق المضطربة، وابعاد القوات المتنازعة عن بعضها البعض، وتهيئة الظروف لسلام مستدام بعد أن يتم التوصل إلى التسوية. ويجوز للمجلس أن يقرر اتخاذ تدابير إنفاذ، عقوبات اقتصادية (مثل عمليات الحظر التجاري) أو اتخاذ إجراء عسكري جماعي.n.
الجمعية العامة
وفقا لميثاق الأمم المتحدة، يمكن للجمعية العامة أن تقدم توصيات بشأن المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدوليين، بما في ذلك نزع السلاح، والتسوية السلمية في أي وضع قد يعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم. يمكن للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة تتعلق بالسلم والأمن الدوليين، وتقديم توصيات، إذا لم يتم مناقشة هذه القضية حاليا من قبل مجلس الأمن.
وعملا بقرارها المعنون "متحدون من أجل السلام" قرارتشرين الثاني/ نوفمبر 1950 القرار 377 (V)، يجوز للجمعية العامة أيضا اتخاذ إجراءات إذا لم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم، ويمكن للجمعية أن تنظر في المسألة على الفور بهدف تقديم توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو استعادة السلم والأمن الدوليين في حالة ما يبدو فيها وجود تهديد أو خرق للسلام أوأي عمل من أعمال العدوان
نزع السلاح الوقائي
تستكمل الدبلوماسية الوقائية عملية نزع السلاح الوقائي، حيث يسعى إلى الحد من عدد الأسلحة الصغيرة في المناطق المعرضة للصراعات. وهذا ما ترتب عليه تسريح القوات المقاتلة، فضلا عن جمع وتدمير أسلحتهم في إطار اتفاق السلام الشامل كما في السلفادور وليبيريا وسيراليون وتيمور الشرقية وأماكن أخرى. إن تدمير أسلحة الأمس سيمنع استخدامها في حروب الغد.
منع الإبادة الجماعية ومسؤولية الحماية
يتطلب المنع القيام بتوزيع المسؤولية لتعزيز التعاون بين الدول المعنية والمجتمع الدولي. يكمن واجب منع ووقف الإبادة الجماعية والفظائع الجماعية أولا وقبل كل شيء على عاتق الدولة، ولكن يبقى للمجتمع الدولي دورا لا يمكن حظره بواسطة الاحتجاج على السيادة. ولم تعد السيادة حصريا القيام بحماية الدول من التدخل الأجنبي حيث تقع على عاتق الدول مسؤولية رفاه شعوبها. ونص على هذا المبدأ في المادة الأولى من اتفاقية الإبادة الجماعية، والذي يتجسد في مبدأ "السيادة كمسؤولية" وفي مفهوم المسؤولية عن الحماية.
يعتبر المستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية بمثابة محفزا لزيادة الوعي بأسباب وديناميات الإبادة الجماعية، وذلك لتنبيه الجهات الفاعلة ذات الصلة بخطر الإبادة الجماعية، والقيام بالدعوة والتعبئة لاتخاذ الإجراء المناسب. ويقوم المستشار الخاص المعني بمسؤولية الحماية بتطوير المفاهيم والسياسات المؤسساتية والعملية المتعلقة بمسؤولية الحماية. وتشمل جهود مكتب المستشار الخاص على تنبيه الجهات الفاعلة ذات الصلة لخطر الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، وتعزيز قدرة الأمم المتحدة على منع هذه الجرائم، بما في ذلك التحريض عليها.
حفظ السلام
تعتبرعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام أداة حيوية يستخدمها المجتمع الدولي لتقدم وتحسين عملية السلام والأمن.
وتأسست أول بعثة للأمم المتحدة لحفظ السلام في عام 1948، عندما أذن مجلس الأمن بنشر هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في الشرق الأوسط لمراقبة اتفاقية الهدنة بين إسرائيل وجيرانها العرب. ومنذ ذلك الحين، كان هناك ما مجموعه 69 عملية من عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم.
وعلى مر السنين، تطور أهداف حفظ السلام للأمم المتحدة لتلبية مطالب الصراعات المختلفة وتغيرات المشهد السياسي. وقد ولدت فكرة حفظ السلام في وقت تنافس الخصوم خلال الحرب الباردة والتي ساهمت طثيرا في شل مجلس الأمن، وتن تحديد أهداف حفظ السلام للأمم المتحدة لتكون مقتصرة في المقام الأول في الحفاظ على وقف إطلاق النار، واستقرار الأوضاع على أرض الواقع، بحيث يمكن بذل الجهود على المستوى السياسي من أجل حل الصراع بالوسائل السلمية.
وفي التسعينيات، توسعت عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، خلق حيث خلقت ونهاية الحرب الباردة فرصا جديدة لإنهاء الحروب الأهلية من خلال التسوية السلمية عن طريق التفاوض. وتم إنهاء عدد كبير من النزاعات ، إما من خلال الوساطة المباشرة التي قامت بها الأمم المتحدة أو من خلال جهود الآخرين بدعم من الأمم المتحدة. وتلقت السلفادور وغواتيمالا وناميبيا وكمبوديا وموزامبيق وطاجيكستان، وسيراليون وبوروندي هذه المساعدة . ومع اقتراب العقد من نهايته، أدت الأزمات المستمرة إلى نشرعمليات جديدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وتيمور الشرقية وسيراليون وكوسوفو.
وفي الألفية الجديدة، نشرت قوات حفظ السلام في ليبيريا وكوت ديفوار ودارفور وجنوب السودان وهايتي ومالي.
وفي الألفية الجديدة، نشرت قوات حفظ السلام في ليبيريا وكوت ديفوار ودارفور وجنوب السودان وهايتي ومالي.
وعلى مر السنين، فقد تغيرت طبيعة الصراعات أيضا. وانشات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أصلا كوسيلة للتعامل مع الصراعات بين الدول، ولكن يتم نشرها بصورة متزايدة في الصراعات الداخلية والحروب الأهلية في الدول. وعلى الرغم من أن الجيش يبقى العمود الفقري لمعظم عمليات حفظ السلام، تقوم قوات حفظ السلام اليوم بمجموعة واسعة من المهام المعقدة، من خلال المساعدة في بناء مؤسسات مستدامة للحكم، ومن خلال مراقبة حقوق الإنسان وإصلاح القطاع الأمني، ونزع السلاح والتسريح وإعادة إدماج المقاتلين السابقين وإزالة الألغام.
بناء السلام
ويشير مفهوم بناء السلام ضمن منظومة الأمم المتحدة إلى الجهود الرامية من خلال مساعدة البلدان والمناطق في الانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام، والحد من مخاطر إنزلاق أي بلد في العودة إلى الصراع من خلال تعزيز القدرات الوطنية لإدارة الصراع، وإرساء أسس السلام والتنمية المستدامة .
ويعتبر بناء سلام دائم في المجتمعات التي مزقتها الحروب هو من بين الأكثر التحديات صعوبة تواجهة السلم والأمن العالميين. ويتطلب بناء السلام استمرار الدعم الدولي للجهود الوطنية من خلال مجموعة واسعة من الأنشطة - كمراقبة وقف إطلاق النار، وتسريح وإعادة دمج المقاتلين، والمساعدة في عودة اللاجئين والمشردين؛ والمساعدة في تنظيم ومراقبة الانتخابات لتشكيل حكومة جديدة، ودعم إصلاح قطاع العدالة والأمن؛ وتعزيز حماية حقوق الإنسان، وتعزيز المصالحة بعد وقوع الفظائع الماضية.
ويتضمن بناء السلام بذل الجهود من قبل مجموعة واسعة من مؤسسات منظومة الأمم المتحدة، بما في ذلك البنك الدولي واللجان الاقتصادية الإقليمية والمنظمات غير الحكومية وجماعات المواطنين المحليين. وقد لعب بناء السلام دورا بارزا في عمليات الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك وكمبوديا والسلفادور وغواتيمالا وكوسوفو وليبيريا وموزامبيق، وكذلك في أفغانستان وبوروندي والعراق وسيراليون وتيمور الشرقية في الآونة الأخيرة. وكانت بعثة الأمم المتحدة في إثيوبيا وإريتريا مثالا على بناء السلام بين الدول.
وإدراكا منها لحاجة الأمم المتحدة في الإستباق والاستجابة لتحديات بناء السلام، نتج عن مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 ،إنشاء لجنة جديدة لبناء السلام. ومن خلال قرارات إنشاء لجنة بناء السلام، المتمثلة بالقرار 60/180، والقرار 1645 (2005)، كلفت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن اللجنة بالعمل مع جميع الأطراف الفاعلة ذات الصلة لتقديم المشورة بشأن الاستراتيجيات المتكاملة المقترحة لبناء السلام بعد الصراع ومرجلة الإنعاش؛ ولحشد الموارد والمساهمة في ضمان استمرار التمويل لهذه الأنشطة؛ وأيضا تطوير أفضل الممارسات من خلال التعاون مع الجهات السياسية والأمنية والإنسانية والإنمائية الفاعلة.
وتحدد القرارات أيضا قيام اللجنة عند الضرورة بتمديد فترة الإهتمام الدولي للبلدان التي خرجت لتوها من الصراع، وتسليط الضوء على الثغرات التي تهدد بتقويض بناء السلام.
ونصت قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن من خلال إنشاء لجنة بناء السلام على إنشاء صندوق بناء السلام ومكتب دعم بناء السلام أيضا.
صناعة السلام في العالم المتحضر
إن العالم المعاصر يئن اليوم من صراعات كثيرة وحروب عديدة بين قوى متنافسة وجماعات وأفراد متنافرة ومجتمعات ودول معتدية، وأن الأوضاع التي يواجهها العالم ويعيش الإنسان لنبذ العنف والكراهية التي نشاهدها ونحس بخطرها على الأمن والسلام العالمي.
لقد شهد التاريخ البشري حروبًا متعاقبة في إحلال السلام في العالم وظلت معها فكرة السلام العالمي رهينة النظريات والدعوات والمحاولات التطبيقية أو العنصرية بسبب التناقض والتعارض في السياسة، وعدم تلك الكفاية المطروحة لحل مشكلة السلام العالمي.
ظلت فكرة السلام حبيسة النظريات، وتتحكم بها في الواقع القوى الغالبة حتى اكتوى العالم بنار الحربين العالميتين، وقد برزت فكرة السلام العالمي إلى الوجود، حيث أدرك الناس ضرورة إيجاد تنظيم للسلام والأمن ينقذ مستقبل البشرية من عنائها الأكبر الناجم عن التطور السريع الذي أصبحت عليه صناعة الأسلحة وآلات الحرب، فكانت عصبة الأمم، ثم تلتها منظمة الأمم المتحدة التي استهدفت السلام العالمي مقصدًا أساسيًا لها. ثم دعت المجتمع الدولي إلى التقيد بميثاقها في سبيل تحقيق السلام العالمي وحرّمت الحرب من أجل إحلال السلام.
السلام بمفهومه العام هو عدم قيام حرب، فالسلام حالة واقعية ظاهرة، وهي الحالة التي يكون فيها العالم خاليًا من الحروب. السلام يعني أكثر من مجرد غياب الحرب والصراع، فهو مفهوم ديناميكي، والحفاظ على السلام يرتبط بدرجة العدالة الاجتماعية وإمكانية البشر في إدراك قوتهم ودفعهم إلى حياة كريمة. فالسلام هو حالة من التوافق والوئام والأمن والاستقرار تسود المجتمع والعالم وتتيح فرصة التطور والازدهار للجميع.
إن هناك ثلاثة مبادئ ممكن تستخدمها لقيام السلام في العالم.
1- صناعة السلام: وهو مساعدة أطراف النزاع للوصول إلى اتفاق تفاوضي.
2- حفظ السلام: وهو منع أطراف النزاع من الاقتتال وتعزيز العلاقات بين الأفراد والمجتمعات.
3- بناء السلام: وهو تشديد ظروف المجتمع حتى يستطيع المجتمع أن يعيش في سلام.
إن مفهوم السلام قد تدرج ليشمل عدة أبعاد داخل الشخص نفسه، وفيما بين الأشخاص وبين المجتمعات كما تدرج السلام مع البئية وحقوق الإنسان والتنمية إجمالاً، من السلام المحلي إلى السلام العالمي.
إن ما يفتقر إليه العالم هو ما ينبعث عند الشعور بالسكينة والطمأنية والأمن والسلام لدى الإِنسان، وتحريره من العوامل التي تخلق الخوف وتشيع القلق والاضطراب وعدم الشعور بالاستقرار. والسلام لا يأتي من معالجة حالة وإهمال أخرى، ولا يأتي السلام بالقوة، ولا يأتي السلام بالحرب، لا يأتي الأمن والسلام في العالم إلا بمنهج شامل لمعالجة أسباب الصراعات النفسية والاجتماعية والسياسية. ويبدأ مشروعه بإلقاء بذرة الخير وحب السلام والتنعم به في نفوس الأفراد، ويتوافق فيه السعي لتحقيق السلام للعالم مع السعي لتحقيقه للأفراد والمجتمعات. ويمكن تحقيق السلام العالمي من خلال تحقيق خمس حريات أساسية لجميع البشر في العالم،
وهذه الحريات هي:
- حرية التعبير.
- حرية الدين.
- حرية التحرر من العوز والفقر.
- الحرية للبيئة.
- التحرر من الخوف.
هذه الحريات الخمسة هي الأساسية التي يمكن من خلالها تحقيق السلام العالمي حيث إنها تعد جوهر الحياة الجيدة للجميع. فالسلام المطلوب حاليًا هو عالم بلا حرب، وبلا خوف، عالم بلا صراعات، وبلا نزاعات. فالاهتمام أولاً يكون بالصراعات المحلية ثم الإقليمية لأن التركيز على السلام المحلي هو يوصلنا في النهاية إلى السلام العالمي. وحتى ينعم العالم بالاستقرار والتنمية المستدامة الشاملة.
الية تطبيق السلام
يعتبر المجتمع المدني من اهم اليات تطبيق السلام و إراساء دعائمه حيث يضم المجتمع المدني عادة التنوع من حيث مجال العمل ويضم المجتمع المدني في أغلب الأحيان منظمات ومؤسسات مثل الجمعيات الخيرية المسجلة، ومنظمات التنمية غير الحكومية، ومؤسسات المجتمع المحلي، والمنظمات والمؤسسات النسائية
وتعتبر منظمات تطوعية وغير ربحية والتي تلعب دورا مهما بين الأسرة والمواطن من جهة والدولة من جهة أخرى لتحقيق مصالح المجتمع في السلام والاستقرار والتكافل الاجتماعي ونشر ثقافة (لا عنف لا تميز لا ترهيب لا قمع) بكل أنواعه ( الديني والقومي والمذهبي والسياسي والفكري وغيرها ) بتعزيز وترسيخ قيم ومبادئ ومعايير التسامح والمحبة والتعاون والتراضي والتعايش السلمي والإخوة والاحترام وقبول الأخر والشفافية والتعامل بين أفراده من كل الأطياف بلطف ومصداقية وتجنب سوء المعاملة والكراهية والحقد والضغينة وسوء الخلق وبانعكاس هذا المفهوم وبلورته سيؤدي للمساهمة في تحقيق التنمية من خلال مجتمع متعايش متكافل اقتصاديا وشريك بالقرار بقوة مقترحاته النابعة من واقع المجتمع ودعمه في ظل عدم تمكن الأحزاب السياسية بالقيام بدور يساهم بالتنمية الى جانب إعلام غير فعال يعمل حسب مصالحهم فالأحزاب والإعلام لا يمكن اعتبارهم من هيئات المجتمع المدني.
طبيعة المجتمع المدني ودوره:
المجتمع المدني هو مجتمع المبادئ والقيم والفضيلة والأخلاق التي تستدعي الطبيعية الخيرة ولطيبة للإنسان بعيدا عن قيم الرذائل والحقد والكراهية وهي تنسجم وتتناغم مع مبادئ وقيم كل الأديان السماوية
إن منظمات المجتمع المدني تقدم خدماتها ونشاطاتها مجانا وبدون ثمن لأفراد المجتمع مثل رعاية النساء من الأرامل والثكلى والمطلقات والاهتمام بالأيتام والأطفال والمرضى إضافة لدعم الطلاب والشباب واغلب هذه المنظمات منظمات غير حكومية وقسم منها أهلية في مجال الرعاية والإغاثة الإنسانية والتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والرياضية والتراثية والبيئية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والمعوقين والطلاب والشباب وأي مجتمع بدون منظمات مجتمع مدني وبدون مؤسساته المشار إليها أعلاه ونشاطها وفعالياتها يكون ناقص وفيه خلل
أهم السمات الأساسية لمنظمات المجتمع المدني:
التطوع الإرادي وغير الجبري في عضوية مؤسساته ومنظماته كما ذكرنا رغم إن الدراسات والإحصاءات والاستبيانات الميدانية للمختصين في هذا المجال إضافة لتقارير المنظمات الدولية أكدت أن نسبة الفعاليات والمساهمات التطوعية ضعيفة ومحدودة في مجال هذه المنظمات بسبب غياب الوعي بأهمية العمل التطوعي في المجتمعات بشكل عام
لذلك يجب تفعيل وتعزيز العمل التطوعي وتوسيع أفاقه بإعطاء فرصة للمتطوعين في القيادة الإدارية والتخطيط والتنفيذ في هذه المنظمات لتشجيعهم عن العطاء والتميز والإبداع والاستمرار في عملهم واستقطاب عناصر ودماء جديدة باستمرار لعمل في هذه المنظمات وأن تعمل بصورة مبرمجة لأهداف محدودة وفق معايير مقنعه وباستقلالية
المعايير الأخلاقية للمجتمع المدني :
• الاستقلال- أن يكون هناك حدود واضحة لتتمكن السلطة من التدخل في المجتمع تحترمها الدولة وتلتزم بها الحرية.
• أن يتمتع الأفراد بحرية الاختيار والتعبير عن الإرادة.
• التراضي العام.
• الالتزام بقواعد الدستور والقانون، و حماية حقوق الفرد في التعبير والتصويت والمشاركة في تبادل الآراء
• احترام النظام والقانون القائم.
في حال قيام مجتمع مدني حقيقي يقابله وجود دولة قادرة على حماية الحقوق التي يقرها الدستور بالنسبة للجماعات والأفراد.
التغيير والتنافس بالوسائل السلمية:
يجب أن يظل المجتمع ملتزماً بالوسائل والقنوات السلمية في ممارسة نشاطه كالتعبير عن الرأي و المطالبة بالتغيير، والاشتراك الفعلي في عملية التغيير.
الشعور بالانتماء والمواطنة:
يعتبر هذا الشرط من أهم العناصر لتحقيق الترابط والتماسك، ليشعر الأفراد بأنهم قادرون على الدفاع عن هويتهم المشتركة وحمايتها مقابل التزامهم بأداء واجباتهم نحو الدولة.
التسامح:
المجتمع الذي يقبل فيه الأفراد والجماعات وجود من يخالفهم في الرأي والمصلحة، هو المجتمع الذي تسوده روح المدنية، إذ يحترمون حقوقهم في التعبير عن وجهات نظرهم.
التحديات الموضوعية التي تواجه المجتمع المدني:
التشبيك والتنسيق والتعاون، وبناء التحالفات وبالتالي، لكي تتمكن منظمات المجتمع المدني من القيام بدورها المطلوب، كشريك فاعل وقوي في عملية التنمية.استمرارية بناء وتنمية القدرات ,الشبابية والنسوية خصوصا.
خلل في استثمار طاقات الشباب وعدم خلق جيل الشباب القيادي.
خلل في عدم اعتماد التخصص في منظمات المجتمع المدني ,مما يسبب ضياع الكثير من الطاقات والأموال بل وحتى عدم تحقيق النتائج المرجوة من المشاريع.
خلل في التفكير في بعض المناطق ,أي العمل المدني وفق النظام الاجتماعي القبلي وتحكم العلاقات القبلية في العلاقات بين منظمات المجتمع المدني وبالنتيجة تكون كارثة على المجتمع والدولة المدنية.
كذلك تبعيتها أحيانا للأحزاب السياسية وتأثرها بصراعاتهم مما ينعكس سلبا على دورهاتوفير الأموال والرعاية والدعم من الموازنة العامة للدولة لبرامج منظمات المجتمع المدني,وتشجيع المانحين على ذلك ,وفق ضوابط مالية وعدالة في التوزيع.
قلة مراكز البحوث والدراسات والعمل الميداني والتدريب الممنهج:
وتعتبر منظمات المجتمع المدني شريكا أساسيا في تحقيق التنمية لاسيما بعدما أصبحت الدولة غير قادرة على الايفاء بكافة الاحتياجات للمواطنين كما ونوعا وفي الوصول الى كافة الفئات المحتاجة
لا ان النظرة للمجتمع المدني تعتريها العديد من الملابسات التي لا بد من توضيحها. فالسلطة في غالبية الدول تنظر إليه بريبة وتخوف شديدين لاسيما لجهة مصادر التمويل التي قد تحصل عليها والأدوار التي تقوم بها. ان توفير الموارد البشرية والمالية أساسي لضمان الكفاءة والمهنية في التنفيذ وفي إيصال الخدمات إلى محتاجيها، وبالتالي على الجهات المعنية في أي سلطة، فيما لو كانت تعتبر المجتمع المدني شريكا، أن تساهم في رسم آليات مشاركته الفاعلة.�ومساعدته على توفير بعضا من موارده من غير ان تؤثر في رؤيته وبقدر ما تتمكن منظمات المجتمع المدني من وضع آليات فاعلة لعملها وهيكلية تنظيمية واضحة وأنظمة أدارية شفافة ومرنة بقدر ما يصبح دورها اكبر وأكثر فاعلية وتأثيرا في عملية التنمية. ان تنوع منظمات المجتمع المدني من حيث الخبرة والاختصاص يشكل مصدر غنىً يؤدي الى التكامل، وهو لذلك يحتاج الى تفعيل آليات التنسيق والتشبيك والتعاون بين مختلف مكونات المجتمع المدني، وبينها وبين الجهات الرسمية والقطاع الخاص.
وفي الختام إن التنمية تحتاج إلى رؤية تنموية شاملة واستراتيجيات وطنية وقطاعية وآليات للتدخل على المستويين الوطني والمحلي، وتكون مرجعيتها الأساسية الدولة كناظم وحام لحقوق المواطنين، إلا أنها تحتاج أيضا إلى تعاون وتنسيق بين الجهات الأساسية الفاعلة، لاسيما بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.ومن غير هذا التعاون لا تكون العملية التنموية مكتملة وبالتالي يصعب أن يكتب لها النجاح.أن الفترة الماضية من عمر منظمات المجتمع المدني تحققت الكثير من الانجازات المهمة والمفصلية في البناء الديمقراطي ,ولكن هي بداية الطريق لترسيخ الديمقراطية وعليها أي المنظمات تقييم نفسها ذاتيا , لترتيب أولوياتها بين فترة وأخرى وتطوير أدواتها وأساليبها لتطوير وتنمية قدراتها.أن النظام الديمقراطي ,هو ضمانة حقيقية واقعية وعملية لتحقيق التنمية في ظل سيادة القانون ,وإنفاذ القانون ,والمساواة ,واحترام حقوق الإنسان.
والله ولي ولكم التوفيق بالتقدم نحو مجتمع انساني شعاره السلام والانسانية
الكاتب: مسعود محمد علي